الخطاب الإسلامي في اليوم العالمي للإيــــــــــدز

  المقصود باليوم العالمي للإيدز هو تخصيص يوم في العام للتعريف بهذا المرض وجلب وتركيز إنتباه الناس لأهمية الوقاية منه، وذلك بكل الوسائل الممكنة، كالمحاضرات التثقيفية والندوات والمقالات والحوارات والتحقيقات , لتقليل الإصابات الجديدة , وكذلك مساعدة المصابين السابقين , وفي منتصف الثمانينات إتفق وزراء الصحة في العالم على أن يكون اليوم الأول من كانون الأول من كل عام هو يوم الأيدز العالمي (1)… ولا شك بأن إشاعة المعرفة والثقافة الجماهرية الوقائية بهذا المرض أمر عظيم ولا بد منه , ولكن هل ينحصر هذا العمل الجماهيري في يوم معين بالعام ؟ وماذا عن باقي أيام السنة ؟ ودون أن نغمط حق الجهات المتخصصة حقها , يحق لنا أن نتسأل : هل ينسى الناس الأمر حتى ياتي ذلك اليوم من جديد ؟

كل أيامنا لوقاية العالم وسعادته 

ونحن المسلمين، نشجع كل عمل إيجابي صغر أم كبر, طال أم قصر، في أي مكان وممن كان . بل إننا نعتبر كل يوم ، وكل ساعة في حياتنا هي للوقاية والحماية ، الخاصة والعامة ، وتجنيب الناس الاذى والضرر من هذه الأوبئة وغيرها . فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح : ” غطوا الإناء وأوكو السقاء؛ فإن في السنة ليلة ينزل فيها وباء ، لايمر بإناء ليس عليه غطاء ، ولا سقاء ليس عليه وكاء، إلاّ نزل فيه من ذلك الوباء “(صحيح مسلم) . هذا بشكل عام ، أما في ما يخص الأمراض المنقولة جنسيا ، فالله تبارك وتعالى يقول : ” ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا “ (الإسراء32) ، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ” ما ظهرت الفاحشة في قوم قط يعمل بها فيهم علانية إلاّ ظهر فيهم الوباء والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم “ رواه الحاكم، كما يقول ايضا : ” إذا استحلت أمتي خمسا فعليهم الدمار, إذا ظهر التلاعن ولبسوا الحرير وشربوا الخمور واتخذوا القينات , وأكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء (أي الشذوذ الجنسي) “ (رواه الديلمي) .

الأخذ بالأسباب بإجتناب المحرمات

وقد ثبت علميا ، وبما لايدع مجالا للشك ، أن السبب الرئيسي لنشر هذا الوباء هوالشذوذ الجنسي والزنا والمخدرات , وتقرير برنامج الامم المتحدة لمكافحة الايدز لعام 2012م خير شاهد على ذلك (2) ، حيث يقول : يصاب سنويا خمسون الف شخص جديد بفيروس الايدز في الولايات المتحدة الامريكية , 70% منهم بسبب الشذوذ الجنسي , كما أن 20% أصيبوا بسبب الزنا , و 4% بسبب المخدرات, و4% شذوذ وإدمان و 2% بسبب الدم وغيره, أي أن 98% من الاصابات هي بسبب اقتراف المحرمات.

وبما أن الزنا والشذوذ الجنسي والمخدرات محرمات علينا في كل آن وحين , فإننا بهذا نبتعد عن هذا الوباء وأشكاله تلقائيا , بل نحاربه بالبعد عن مسبباته الأساسية ما دمنا أحياء. وهي محرمة بنصوص شرعية ، نتعبد الله بتلاوتها وإستذكارها يومياً ، فتكون التوعية والتثقيف لدينا جماهرية وتلقائية على مدار الساعة لأنها جزء من معتقداتنا، وليس يوما واحدا في السنة ؛ وبهذا تكون كل أيامنا محاربة للايدز بل والأمراض المنقولة جنسيا جميعا.. ..ورغم  قناعتنا بضرورة نشر العلم والوعي العلمي المتخصص، ولكنه على أهميته , غير كافٍ لوحده ،  ولو كان كافياً لتلاشت جميع الأمراض المنقولة جنسيا وليس الايدز فقط من العالم الغربي ؛ لما لهم من سبق علمي .

أقصر الطرق وأنفعها

التعامل الصحيح المناسب مع مشاكل الشباب ومتطلباتهم الغريزية ، حسب الضوابط التي تليق بالإنسان , وتتناسب مع فطرته ومرتبته التي اختارها له من هو أعلم بحوائجه ” ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير؟” (الملك 14) ؛ هذا التعامل هو أقصر الطرق ، وأرخصها تكلفة ، وأنفعها نتيجة ، وأقربها للفطرة . فتسهيل عملية الزواج والتبكير به ، وإحسان تربية الشباب بربطهم بأوامر ربهم ؛ لرفع مستوى الإيمان عندهم , إرضاء لله أولا ، وإبعادا لهم عن شرور وويلات هذه الأوبئة وغيرها ثانياً (3 ), فهو العاصم من القواصم . فالإيمان كان سببًا في نجاة نوح عليه السلام من الطوفان ، وحفظ إبراهيم من الحرق بالنار ، وإنقاذ موسى من الغرق في البحر ، وحفظ يوسف من كيد امرأة العزيز. والإيمان كنز التربية ، نستطيع به ، وبالمساهمة بتلبية نداء الغريزة الجنسية بضوابطها الشرعية ، أن نحفظ الشباب من الإنحراف والضياع .

البعد عن الحلول الترقيعية 

لا بد أن نعترف بان الشباب في خطر , فأمراض الجنس والإنحلال ، والإباحية والمخدرات ، بدأت تفتك بهم . وهم فرائس سهلة ؛ لقلة خبرتهم ، وضغط عواطفهم ، وكثرة المثيرات التي تحيط بهم من كل جانب ، بل هي معهم في غرف نومهم ، وعلى شاشات جوالاتهم , من خلال ما تكتنز به شبكة الإنترنت من أفلام إباحية ؛ أيقظت كل غرائزهم الهاجعه ، فأصبحوا ضحية لشياطين الإنس ، الذين لا هَم لهم إلا جمع المال وإفساد الجيل .

هذه الحال لاتستقيم معها الحلول الترقيعية , إذ لا بد من مواجهة أس المشكلة وأساسها ، وتقديم الحل الجذري الناجع الذي لا عوج فيه ؛ لأنه الأدوم والأصح . فهذه الدعاية العالمية المغرضة والتسويق الواسع للعازل الذكري( 4 ) ، من خلال ما يُسمى بحملة الجنس الآمن ، ليست صحيحة ، ولا تصلُح لنا كمسلمين إطلاقا , وقد ثبت علميا وعمليا أنّ العازل الذي يسوّقونه على الشباب لا يقي كليا من جراثيم الأمراض المنقولة جنسيا . إذ أنّ جراثيم الأمراض الجنسية قد تدخل إلى جسم الزاني أو الشاذ ، من أماكن لا يشملها هذا العازل كالفم والأثداء ، بغض النظر عن نوعه ، أو جودته . كما أن العلم قد أثبت بما لا يدع مجالا للشك ، بأن قطر المسامات الموجودة بين الجزيئات المكونة للعازل المطاطي ، أكبر من قطر فيروس الايدز ، أي أنه يمكن للفيروس أن يتسلل من خلالها بسهولة . وشرعيا ليس مطلوب منا أن نشجع الشباب على الفاحشة  بل العكس تماما , نبعدهم عنها ما استطعنا الى ذلك سبيلا . ولا نستمع لمن يحتج بان الزنا اذا كان واقعا لا محالة , فعلينا تخفيف الضرر بهذه الوسيلة المدَّعاة ما أمكن !!, بل علينا أن نضع الشاب أمام مسئولياته بالحُسنى , و بما أن الجنس لا يُمارسه إلّا البالغ , والمفترض عندها أن يكون عاقلا راشدا , يُميز الحلال من الحرام والصواب من الخطأ ,  وبعدها فالخيار له وهو من سيتحمل عواقب فعلته وإصراره أمام الله تبارك وتعالى , كما فعل الرسول الكريم مع الشاب الذي طلب أن يسمح له بالزنا  , فعن أبي أمامه قال : إن فتى شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم .. فقال : يا رسول الله ! أئذن لي بالزنا ! فأقبل القوم عليه فزجروه .. وقالوا مه مه ! فقال : أدنه . فدنا منه قريبا . قال : فجلس . قال أتحبه لأمك ؟ قال : لا والله ، جعلني الله فداك . قال : ولا الناس يحبونه لأمهاتهم . قال أفتحبه لابنتك ؟ قال : لا والله يا رسول الله ! جعلني الله فداك . قال : ولا الناس يحبونه لبناتهم . قال أتحبه لأختك ؟ قال : لا والله ، جعلني الله فداك . قال : ولا الناس يحبونه لأخواتهم . قال أتحبه لعمتك ؟ قال : لا والله ، جعلني الله فداك . قال : ولا الناس يحبونه لعماتهم . قال أتحبه لخالتك ؟ قال : لا والله ، جعلني الله فداك . قال : ولا الناس يحبونه لخالاتهم . قال : فوضع يده عليه ، وقال : اللهمّ ! اغفر ذنبه ، وطهر قلبه ، وحصن فرجه . فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء . صححهالألباني .

فلماذا يا ترى نتبع ما يريده الغرب تماما ؟ ولماذا لا نضرب جذر المشكلة من أصلها حسب ما يُمليه علينا ديننا ؟ ولماذا كل هذه الحلول الترقيعية ؟

إن تدابيرهم هذه التي يُعلنها ويُعممها برنامج الأمم المتحدة لمكافحة الايــدز(5 )، ومنظمة الصحة العالمية قد صُممت لبيئات ومعتقدات مختلفة تماما عن بيئتنا ومعتقدنا ، فما يصلُح لهم لا يصلُح في معظمه لمجتماعاتنا إطلاقا . ورغم أننا نتمنى لهم الخير والهداية ، إلاّ أنهم احرار في بلادهم , ونحن احرار في بلادنا , فلا يحقُ لهم أن يفرضوا ذلك على غيرهم ، لا بالترغيب ولا بالترهيب ، كما يحصل في كثير من الممارسات والمؤتمرات والاتفاقيات الدولية ، التي تحاول جاهدة عولمة الرذيلة ومحاصرة الفضيلة. بل إن العهود والمواثيق الإنسانية الدولية ، لا تجيز إستغلال الحاجة بالتدخل لا بالسياسة ولا بالإغراء المالي للتأثير على معتقدات المجتمعات المستهدفة ، أو عاداتها،  أو تقاليدها ، أو الأعراف السائدة فيها .

لهم طريقتهم ولنا طريقتنا

ترتكز مكافحة الإيدز والأمراض المنقولة جنسياً ، من المنظور الإسلامي ، على تحريم الزنا والشذوذ والمخدرات .  ولا نواجهها بحلول ترقيعية على حساب الدين , كما يريد الغرب ، حيث أن مساعداته للدول الفقيرة مشروطة بإتباع وإستعمال طرق معينة إبتدعوها حسب أهوائهم بعيدا عن ميزان الحلال والحرام لأنهم لا يقيمون لذلك وزنا , لأن الصحيح  عندهم ما اشتهته أنفسهم ولو كان معاكسا للفطرة , يقرونها في بلادهم، ولا يقرها ديننا الحنيف . فمثلاً ، يريدوننا أن نقول للشباب : عليكم بالعازل الذكري عند ممارسة الجنس . وكأن الزنا ليس محرما ، فالمهم أن لايصابوا بالإيدز ، وكأن غضب الله ليس له أهمية !!!.

هذه الأمراض لا هوية لها إلاّ الزنا والشذوذ والإباحية والمخدرات، خاصة إذا رافق ذلك جهل وفقر ، لذلك تكثرُ في بعض المجتمعات والتجمعات السياحية والفقيرة. ومما يساعدُ على إنتشارها سرعة الإختلاط ، وتقارب المسافات ، وكثرة الأسفار التي جعلت العالم قرية صغيرة. وأقل ما تكون هذه الأمراض في المجتمعات المحافظة ، التي تنظر للجنس خارج إطار الزوجية بأنه محرمٌ ، وتقدسُ الإخلاص للحياة الزوجية ، وتعتبره عملاً صالحاً تتقرب به إلى الله ، كما هو الحال نسبيا في مجتمعاتنا الإسلامية ( 3). لكن مجتمعاتنا هذه ليست بعيدةً عن غيرها ، وشبابها مستهدفون . وأسهل الطرق لسيطرة الأعداء علينا وعليهم العبثُ بأخلاقهم ، وإيقاعهم بمستنقعات الجنس الحرام ، مما يذهب بالأخلاق ، ويهدم الأسر ، ويفكك المجتمعات ، وينشر الأمراض ، وفوق ذلك كله غضب إلهي وعقوبة ربانية ، مصداقا لقوله تعالى: “ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا “ (الإسراء32) .

الحلال بيّن والحرام بيّن

خلق الله الإنسان بيده ، وجعله في أحسن تقويم ، وكرّمه على سائر المخلوقات ، بل سخّر كل شيء لخدمته. ووهبه عقلا ، وأرسل له رسلا كراما ، يدلونه على الخير وطريق الجنة . وأنزل له كتبا مقدسة , ختمها بالقرآن الكريم , المعجزة الخالدة الذي ” يهدي للتي هي أقوم “ (الإسراء9) , ومع كل هذا كان الإنسان أكثر شيء جدلا , فجرّه الشيطان إلى الكفر والممارسات المحرمة .

فاذا كان العلم التجريبي ، والعقل والنقل ، والواقع المعاش ، والأبحاث والدراسات  ، والحقائق والإحصائيات تثبت بكل وضوح، إن الشذوذ الجنسي هو من أكثر الأمور التى تنشر الايدز و الأمراض الجنسية الأخرى ( 2)؛ إذا كان كل ذلك حقيقة واضحة لا جدال فيها ! فلماذا تتبنى الدول المتقدمة وخاصة الغربية ، الشاذين وتدافع عن الشذوذ  ؟  بل تدعمهم ماديا وتشجعهم بكل ما تستطيع ، وتعمل بكل مالها وسلطانها لعولمة الشذوذ ونشره !؟  ليس هذا فحسب ، بل تحارب كل من يُخَطِّئها ، وتنعته بالتخلف والإرهاب !!!!

ونحن المسلمين ، كيف لنا أن نصدقهم أو نتبعهم ؟ وقرآننا العظيم فيه أكثر من ثلاث عشرة سورة ،  تحدثنا عن قصة شذوذ قوم لوط ، الذين عاقبهم الله عقابا شديدا ، على نفس الذنب ونفس الفاحشة ! يقول الله تعالى: ” ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين “ (العنكبوت 28) ، ثم يقول حكاية عن سيدنا لوط عليه السلام : ” قال ربي أنصرني على القوم المفسدين “ (العنكبوت 30) .  فالذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الارض ، ويصرون عليها هم مفسدون في الارض . و نحن المسلمون وظيفتنا ، وهدفنا في الحياة ، إعمار الأرض وإصلاحها لا إفسادها !؟  لهذا , لا خيار لنا إلّا أن نتبع أوامر السماء ، لأنها الخير ، بل ننشرهذا الخير لغيرنا ما أستطعنا إلى ذلك سبيلا ؛ لأن الإسلام دين الرحمة والمحبة والخير للعالمين ، يقول تعالى : ” وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين “(الأنبياء 107) .

نكره الذنب ولانكره المذنب

المسلم صالح مصلح ، يفعل الخير للناس , مطبقا للحديث القدسي ” الخلق عيال الله , وأحبهم إليه أنفعهم لعياله “ (رواه البزار) ، لا يوزع جنة ولا نارا ، ولكنه يحبُ الخير لكل الناس، ولا يرجو من ذلك إلا رحمة ربه . ويعلم علم اليقين أن كل ابن آدم خطّاء وهو غير مستثنى من ذلك . بل يتذكر ما أخرجه الإمام مالك في الموطأ : أن المسيح عليه السلام قال : “لا تكثروا الحديث بغير ذكر الله؛ فتقسوا  قلوبكم ، فإن القلب القاسي بعيدٌ عن الله . ولا تنظروا في ذنوب العبد كأنكم أرباب ، بل انظروا فيها كأنكم عبيدوإنما الناس رجلان : معافى ، ومبتلى ؛ فارحموا أهل البلاء، واحمدوا الله على العافية “(6 ).

يتعامل المسلم مع المصابين حسب القاعدة الإسلامية العظيمة : ( نكره الذنب ولا نكره المذنب ), فيبين للمصاب – إذا كانت الإصابة عن طريق الممارسات المحرمة –  أن باب التوبة هو أوسع الأبواب عند الله تبارك وتعالى ، لذلك ندعوه  للإقلاع عن فعله المحرم ، ثم التوبة . فإن تاب فذلك فضل من الله ، وإن كان غير ذلك , فعقابه على ولي الأمر , وإلاّ  فالله وحده هو الذي يعاقبهما أو يعفو عنهما . ولكن علينا  نحن كأفراد أن نتعامل معه بكل لطف ؛ لنعينه على الشيطان , ونشعره بحبنا له . ندله على الخير بأحسن العبارات وألطفها , نحببه ولا ننفره ، حتى يعلم أن رسولنا العظيم يقول : ” كل أبن آدم خطّاء , وخير الخطّائين التوابون” (رواه الترمذي) . فالخطأ ، بشكل أو بآخر، سمة بشرية عامة لا تخصه وحده , فإذا تاب أصبح في المقدمة ومن الخيرة . ليس هذا فحسب ، فالله تبارك وتعالى يقول في القرآن العظيم : “ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ
تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ” (آل عمران 135) ، بل إذاقُبلت توبته وأحسن العمل فإن كرم الله عليه عظيم  ” فأولئك يُبدل الله سيئاتهم حسنات ….” (الفرقان 70) .

نعم ، نحن لا نكره شخصا لذاته ، بغض النظر عن لونه أو عرقه ، أو فكره أو معتقده ، حتى لو وقع في الخطأ ؛ بل نُشفق عليه وندله على الصحيح لمصلحته , ولا نسىء التعامل معه ولا نُوصمه كما يدّعي البعض , فهو أبن آدم , خطّاءٌ مثلنا , كما بين الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وحسابه ليس علينا ؛ إنما حسابه في النهاية على الله وحده.

           ما سبق يخص الشخص بذاته كإنسان , له علينا حق النصح والإرشاد بالحسنى ودون تجريم , ولكن الفعل نفسه ( شذوذ أو زنا أو مخدرات ) ليس له هذا الحق , خاصة أنه مصادم لكل الأوامر السماوية وللفطرة السليمة ، ولن يقبل به عاقل . لذلك فالوصمة للفعل المحّرم في كل آن وحين , وهذا ثابت لا يتغير ، فالحرام حرام مهما زُيّن ، والحلال حلال مهما شُوّه . أما الفاعل ، فهو أبن آدم الخطاء ، أمامه كل الفرص للتوبة ، وإحسان العمل والفوز بالجنة . ولنتذكر قصة عبد الله الملقب بالحمار ، حيث كان يشربُ الخمر، فأُتي به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلعنه رجل ، وقال : ما أكثر ما يُؤتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ” لا تلعنه ، فإنه يحبُ الله ورسوله ” (صحيح البخاري) وزاد رواية اخرى في آخره : ” ولكن قولوا اللهم اغفر له، اللهم ارحمه “. مع أنه صلى الله عليه وسلم لعن الخمر ، وشاربها ، وبائعها ، وعاصرها ، ومعتصرها ، وحاملها ، والمحمولة إليه .

         عـن أبـي قـلابـة أن أبـا الـدرداء رضي الله عـنـه مَـرَّ بـرجـل قـد أصـاب ذنـْـبًـا (الذَّنْبُ الإِثْمُ والجُرْمُ والمعصية ) والـنـاس يـسـبـّـونـه …. فـقـال أبـو الـدرداء : أرأيـتـم لـو وجـدتـمـوه فـي قـلـيـب ( بـئـر ) ألـم تـكـونـوا مُـسـتـخـرجـيـه ؟قـالـوا : بــلــى .قـال : فـلا تـسـبـّـوا أخـاكـم ، واحـمـدوا الله الـذي عـافـاكـم .قـالـوا : أفــلا تـبـغـضـه ؟ قـال : أنـمـا أبـغـض عـمـلـه ، فـإذا تـركـه فـهـو أخــي .أخـرجـه ابـن عـسـاكـر … الـكـنـز .وعـن ابـن مـسـعـود رضي الله عـنـه قــال : إذا رأيـتـم أخـاكـم قـارف ( ارتـكـب ) ذنـْـبًـا فـلا تـكـونـوا أعـوانـًـا لـلـشـيـطـان عـلـيـه …. تـقـولـوا …. الـلـهـم اخـزه ، الـلـهـم الـعـنـه ، ولـكـن سَـلـوا الله الـعـافـيـة ، فـإنـّـا أصـحـاب مـحـمـد صلى الله عـلـيـه وسـلـم كـنـّـا لا نـقـول فـي أحـد شـيـئـا حـتـى نـعـلـم عـلامَ يـمـوت ، فـإن خـُـتِـم لـه بـخـيـر عـلـمـنـا أنـه أصـاب خـيـرًا ، وإن خـُـتِـم لـه بـشـرّ خِـفـنـا عـلـيـه “أخـرجـه ابـن عـسـاكـر فـي … الـكـنـز

    إذن فالوصمة للفعل ولن يستطيع أحد تغيير حكمها , أما الفاعلُ فحقه ما يلي .

أ – نسأل الله له العافية والهداية ( وإن كنا نبغض فعله) ونحمد الله الذى عافانا مما ابتلي به

ب – عدم التسرع فى الحكم عليه بان مأله إلى النار فلربما ختم الله له بخاتمة حسنة

ج – نتذكر ان العاصى مبتلى وهو يحتاج لمن يُخرجه من هذا البلاء فلا نكون اعوانا للشيطان عليه , ولندعوه بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة .

د – عدم الشماتة فيه او في غيره من العصاة لأن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم  يقول ” لا تُظهر الشماتة بأخيك فيرحمه الله ويبتليك”

التعاون مع الآخـر عالميا

يقول الله تبارك وتعالى : “وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان “ (المائدة 2) ، لذلك لا بد من التعاون والعمل ، وتقديم كل نافع للبشرية ، مستوحىً من الشريعة الاسلامية. فقد جاءت لخير البشرية ، وسعادة الإنسان . ولا بد من أن نساهم في نشر العلم والمعرفة ، التى تُساعد الناس على تجنب ما يعكر صفو حياتهم ، ويُكدّر عيشهم . والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ” ما تصدق الناس بصدقة مثل علم ينشر” (رواه الطبراني) ، خاصة العلم الذي ينبني عليه تعديل إيجابي للسلوك , يرضى الله ورسوله , فتستقيم الحياة على الفطرة السليمة , والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ” فطوبى لعبد جعله الله مفتاحا للخير مغلاقا للشر” (صحيح الجامع الصغير – للألباني) .

ونحن في مشروع وقاية الشباب من الأمراض المنقولة جنسيا والايدز في الإتحاد العالمي للجمعيات الطبية الإسلامية ، قد قطعنا عهدا على أنفسنا  : أن نتعاون مع أي جهة رسمية أو شعبية  , قُطرية او عالمية ؛ لنقدم للبشرية كل ما نستطيع من توعية وتثقيف وعلم نافع ، حسب ما تمليه علينا قيمنا الإسلامية ، بالأسلوب العلمي الديني ، الذي يعتمدُ الإحصائيات والحقائق الثابتة ، بعيداً عن المجاملة والمواربة ، ولو خالفنا العالم كله ؛ لذلك فنحن نشارك الحملات العالمية للعمل على القضاء قضاءً مبرما على الامراض المنقولة جنسيا وبضمنها الايدز , ولكننا نخالفهم في بعض الوسائل التي لا يُقرها ديننا الحنيف ، فما كان لله دام وأتصل وما كان لغيره انقطع وانفصل .

والله غالب على أمره ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون

الدكتور عبد الحميد القضاة

المدير التنفيذي لمشروع وقاية الشباب

المراجع

1 – قرار منظمة الصحة العالمية، رقم 15/34 / المؤتمر الدولي لوزراء الصحة الذي انعقد في لندن عام (1988)،

2 –  وتقرير برنامج الامم المتحدة لمكافحة الايدز لعام 2012مhttp://www.unaids.org/en/media/unaids/contentassets/documents/epidemiology/2012/gr2012/JC2434_WorldAIDSday_results_en.pdf

3 –  الأمراض الجنسية عقوبة الهية , ( 2008م ) الدكتور عبدالحميد القضاة  , الطبعة الثالثة ,الاردن

4 –  وثيقة ﺍﻟﻤﺅﺘﻤـﺭ ﺍﻟﻌـﺎﻟﻤﻰ ﻟﻠﺴﻜﺎﻥ ﻭﺍﻟﺘﻨﻤﻴﺔ. بإشراف من الأمم المتحدة (1994م) / ﺍﻟﻘﺎﻫﺭﺓ

5 – الرؤية الإسلامية في مواجهة الايــدز(2008م ) هيئة. علماء الشريعة لتعاون العاملين بالكتاب والسنة المحمدية, الطبعة الاولى , عمان , الاردن

6 – كتاب: موطأ مالك , مالك بن أنس بن مالك الأصبحي الحميري،( 93 –  179هـ)

7 –  القرآن الكريم

8 – كتب الأحاديث الشريفة

سنن ابن ماجه: للإمام ابن ماجه، دار إحياء التراث العربي، بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي 1395 هـ – 1975 م

سُنَنُ أبي دَاوُد: للإمامِ الِحَافِظِ أبو دَاود سُليمَان بن الأشعَث السّجْسْتَاني المتَوفىَ سَنَة 275 هـ

الجامع الصحيح (صحيح البخاري) : للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي

الجامع الصحيح سنن الترمذي (وشرح العلل): للإمام محمد بن عيسى بن سورة الترمذي “209- 279 هـ”