للأسف كلنا ذاك الرجل !

– فلاحٌ عجوز حمل زوجته المريضة في المقعد الخلفي من العربة التي يجرها حصان هزيل، حملها إلى المدينة البعيدة لعلاجها، في الطريق الطويل بدأ الرجل يتحدث ويفضفض، كأنما يناجي نفسه، ولكنه في الوقت نفسه يواسي زوجته المريضة التي عاشت معه طوال أربعين عاماً في شقاء وبؤس ومعاناة تكد وتكدح، تساعده في الحقل، وتتحمل وحدها أعباء البيت.
– أحس أنّه كان قاسياً طوال السنوات الماضية، وأنّ عليه أن يعاملها بلطف ولين، وأن يُسمعها الكلمات الطيبة، قال لها: إنّه ظلمها، لأنه لم يجد الوقت في حياته اليومية ليقول لها كلمة طيبة حلوة وعذبة، أو يقدم لها إبتسامة صافية رقيقة كالماء أو يُعطيها لحظة حنان!.
–  وظل يتحدث بحزن وأسى، طوال الطريق، ليعوضها بالكلمات عما فقدته خلال الأربعين عاماً الماضية من الحب والحنان ودفء الحياة الزوجية، وأخذ يُقدم لها الوعود بأنه سوف يحقق لها كل ما تريده وتتمناه في بقية عمرها… عندما وصل المدينة، نزل من المقعد الأمامي ليحملها من المقعد الخلفي بين ذراعيه لأول مرة في حياته إلى الطبيب، ولكنه وجدها قد فارقت الحياة، كانت جثة باردة، ماتت بالطريق، ماتت قبل أن تسمع حديثه العذب الشجي!.
–  قصة ألم كتبها تشيخوف الروسي، ليتركنا نحن مثل الفلاح العجوز، الذي كان يناجي نفسه ولكن بعد فوات الأوان، فالكلمات لم تعد مجدية الآن، فقدت مغزاها!، نحن لا نعرف قيمة بعضنا إلاّ في النهايات!، أن تقدم وردة في وقتها خيرٌ من كل ما تملك بعد فوات الأوان أن تقول كلمة جميلة في الوقت المناسب خير من أن تكتب قصيدة بعد أن تختفي المشاعر.
– أن تنتظر دقيقة خيرٌ من أن تنتظر سنة بعد فوات الأوان، أن تقف موقفاً إنسانياً خير من أن تقدم مواساة بعد فوات الأوان، لاجدوى من أشياء تأتي متأخّرة عن وقتها كقُبلة اعتذار على جبين ميّت، فلا تؤجل الأشياءالجميلة فقد لا تتكرر مرة أخرى، وخير البر عاجله.